logo

الكاتب الجزائري مراد غريبي يكتب: سلطنة عُمان عاصمة الإنسان

  • 61 Views

سلطنة عمان تستحق الزيارة مع العرفان، دولة عربية إسلامية  تزهو بجمال تنوعها الأصيل ، كل التفاصيل مثيرة كأنها تستقطب روعتها من طبيعتها المتنوعة ، تمتد من أقصى الشرق إلى أدنى الغرب بثقافتها التي تسحر الزوار في كل بقعة منها بصورتها الحضارية الإنسانية المشرقة كالشمس الدافئة مع كل صباح على جغرافيا العرب والعجم، تبعث في الآفاق البعيدة دفء المحبة والكلمة الطيبة والتسامح والتعايش وإصلاح ذات البين والتطلع للغد الأمثل بالقيم الصادقة والأعمال الصالحة والآثار الطيبة.

خلال رحلة جوية سنة 2011 نحو دوحة الخليج، صاحبني بالجنب مهندس في البتروليات قبلته مسقط المحبة، تبادلنا أطراف الحديث عن السلطنة ، فكانت كلماته تنساب بكل طلاقة ودون تكلف ولا مجاملة، ببساطة عرفان أصيل لهذه الدرة الخليجية الثمينة، وعلى طول حديثه تركيز على الأدب العماني أدب الثقافة وأدب العشرة وأدب الضيافة، قاطعته مبتسما: لعل كلامك هذا يوحي لي بأن عمان واليمن توأمان!!، فاستطرد قائلا: أكيد، ليعود ويسرد لي بعض اكتشافاته للثقافة الشعبية العمانية المميزة والنابضة بالعطاء والمحبة والأصالة العربية الإسلامية، خلال 3 سنوات من العمل بسلطنة عمان، أدرك صاحبي ما لم يتعلمه خلال سنين واستلهم معنى الثقافة الحية وآثارها في الشعوب المنفتحة على آفاق الإنسان والتاريخ والمستقبل بلا حرج ولا قلق، اكتشف التنوع الحاضن للوحدة والتميز المثير للمحبة والتاريخ المتصالح مع الحاضر والمستقبل، لقد استوعب شيفرة معادلة الدولة الرشيدة قيادة وشعبا، لينتهي بعبارة تختصر المسافات والمقالات: عمان درس عربي إسلامي في ثقافة العيش المشترك؟!

إنها عمان عاصمة الإنسان، ناصعة البياض كمسقط البيضاء والرستاق الفيحاء، تستمد رونقها من تاريخ مفعم بالحضارة والحكمة والسمو والتألق ثقافة ومسيرة وإبداعا، إنها لمسة من لمسات الرشد العربي، موغلة في القدم لما قبل التاريخ الإسلامي مرورا بالزمن اليعربي وصولا للعهد البوسعيدي الحديث والمعاصر، زمن الدولة العمانية الفريدة بين دول العرب كلها من عدة أوجه أخصها الوجه القيمي البديع والذي أذهل القاصي والداني بحيويته وتكامله بين أطياف الشعب العماني كلها، كما عبر جيمس سيلك بكنغهام عن إعجابه بقيم التسامح لدى العمانيين، عند زيارته لعمان 1816م.. وشهادات الرحالة الإنجليزي افنجتون: هؤلاء العرب مهذبون جدا في تصرفاتهم، وفي غاية اللطف مع كل الغرباء، فلا أذى ولا إهانة يمكن أن تصدر منهم لأي أحد، ومع أنهم معجبون بدينهم ومتمسكون بمبادئهم فإنهم لا يفرضونها على أحد”، ولعل سر هذا التميز العربي والوجاهة القيمية والرجاحة السلوكية للإنسان العماني، أنها امتداد لتجارب وثقافات وانصهار تاريخي لكل الصعاب والمشاق و المحن بحكمة حضارية تتراوح بين حضارة مأرب وإشراقة الإسلام المحمدي، لأن الخصوصية الثقافية والتألق الحضاري عندها يتبلور في شكل اجتماعي وانسيابي عفوي يعني أن هناك فلسفة حياة خاصة ترسم معالم الوعي الوجودي لدى أهل حاضرة عمان بكل جغرافيتها كما للبحر سحره ولصناعة السفن والصيد وخياطة شبك الصيد، ناهيك عن ازدهار التجارة عامة وتجارة الذهب والفضة خاصة لدى العمانيين عبر التاريخ، كان لها أثرها العميق في التكوين الثقافي والاجتماعي لأهلنا بسلطنة عمان، مما صقل شخصيتهم الاجتماعية بالرزانة واللين واللطف والتسامح والانفتاح، وهذا ما يميز أهل حواضر البحر كما ذكر ابن خلدون في تاريخه، حيث تجذب الزائر بسلطنة عمان مثل شواطئ صحار وصور ومسقط وصلالة ومطرح.

بينما الفارقة في الظاهرة العمانية تتركز في كونها الأمة التحفة، لا تكاد منطقة من مناطق عمان لا تتزين بمتحف أو معلم تاريخي أثري قديم أو حديث منذ ما قبل الإسلام وصولا لفترة التواجدين البرتغالي أو البريطاني.

لازالت عمان بقلعتها العلم وبعد 50 عامًا على انطلاقة النهضة والتي تتزامن مع رحيل السلطان قابوس -طيب الله ثراه- رائد التحديث في عمان الحديثة والمعاصرة عهد النهضة المباركة في عام 1970، حيث أكد السلطان الراحل رحمه الله طيلة توليه عرش السلطنة على التنمية البشرية والرقي بالإنسان العُماني مع رفده بكل ما يحتاج في شتى المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ولازالت الدولة العمانية عبر حكومتها تحرص على ضمان حصول المواطن العُماني على كافة حقوقه المستوحاة من تعاليم الدين الإسلامي الحنيف والنظام الأساسي للدولة الذي جاء مؤكداً و مرسخاً لحقوق الإنسان في السلطنة، واستكمالا لمسيرة المجدد السلطان قابوس، أكد صاحب السمو السلطان هيثم بن طارق-سدده الله-  على مواصلة نهج النهضة وتفعيل رؤية 2040 بكل جد واجتهاد، واحتفاء بذكرى النهضة مع أشقائنا بسلطنة التسامح والوحدة والسلام والحكمة، أيقونة الأصالة العربية والوحدة الإسلامية عمان، هناك العديد من النقاط يجب الإشارة إليها لنستلهم الدرس العماني المتجدد والخلاق للوعي والنزاهة والأمانة التاريخية في الضمير العربي والوعي الإسلامي:

  1. منذ عدة عقود تصنف عمان إحدى البلدان الأكثر سلمية في العالم وفقاً لمؤشر السلام العالمي، وهذا يؤشر لثقافة التسامح الحاضرة في يوميات الناس.
  2. عُمان البلد العربي المجسد لروح التعايش الإسلامي في تفاصيل العلاقات بين التنوعات المذهبية الإسلامية فيه، على الرغم من أنها مركز المذهب الإباضي في العالم الإسلامي ويعتبر المذهب الأساسي في الحكم، لكن كل المذاهب الإسلامية الأخرى تتمتع بحقوقها ومتجانسة مع بعضها البعض بلا أي خلاف، بل التعارف بينها والتعايش يجعلك تستحي من أن تسأل عمانيا عن مذهبه.
  3. عمان بالثقة الحاضرة والمتجذرة عبر تاريخها القديم والحديث والمعاصر، بين الحاكم والشعب، جعلته بلد الحريات والسلام والطمأنينة، على ربوع أرض عمان تلتقي بكل الثقافات العالمية ليس سياحة فقط بل في كل نشاطات الثقافة والإعلام والدبلوماسية والتجارة والاقتصاد والفن والصناعة والعلوم المتعددة التي ينهل منها العماني كل يوم وعلى مدار السنة.
  4. قد يتساءل القارئ ما خصوصية عمان دون غيرها، ببساطة فلسفة حياة تجسدت لدى الحاكم وشعبه فأفرزت ثقافة حضارية انعكس بريقها في أخلاق الناس وحكمة القادة وتواضع إنساني ونباهة تاريخية وتطلع أصيل، إنها الريادة في مضمار القيم الإنسانية المشتركة المولدة لروح الإحسان في كل تفاصيل الحياة.
  5. مهما تحدثنا عن أيقونة السلام والتسامح في العالم العربي، لا نؤدي حقها لأنها بحاجة للزيارة والتعارف معها واكتشاف ثقافتها العميقة واستلهام من تاريخها المتجدد، وهنا أستحضر شهادة من صديق كثير السفر والسياحة بحكم عمله في مجال السياحة، حيث ذكر لي ذات يوم، عندما أتينا على ذكر سلطنة عمان: قال دخلت كل قنصليات البلدان عندنا لكنني لم أجد ترحابا واحتراما وضيافة وآداب استقبال في قنصليات أعرق دول التمدن والتحضر بالعالم مثلما وجدتها في سفارة السلطنة عندنا، حينها عرفت أن الإنسانية واللباقة لدى العمانيين أصيلة.
  6. رؤية 2040 العمانية أفق استراتيجي للتنمية بكل أبعادها، رغم كل التحديات والعراقيل التي لا تريد لعمان الريادة لكن من يعرف قيادة وشعب عمان يجزم أن النجاح حليف المخلصين لوطنهم وأمتهم وتاريخهم وروادهم وإنسانهم، مهما كانت المؤشرات الاقتصادية الراهنة إلا أن العزم السلطاني والعزيمة الوطنية لدى العمانيين توحي بأن مستقبل عمان مشرق بفضل الله وتوفيقه.
  7. منذ عقدين من الزمن عرفت عمانيين كثر من أعرق العائلات ومن جميع المذاهب، المدهش أن الثقافة واحدة كأنهم صورة واحدة يتقاسمها عدة أشخاص، الحمد لله جميعهم زين لعمان الوطن والعروبة والإسلام ككل، إنها الحقيقة ولا ريب أن العديد من الإخوة العرب والمسلمين وغيرهم قد التمس ذلك، وبدون مبالغة أو تحيز، أكيد هناك استثناء لكنه لايكاد يذكر عندما يغلب الخير والصلاح والإحسان في قوم أو شعب ما.
  8. عمان معامل خليجي استراتيجي ومعادلة عربية إسلامية خلاقة، لابد أن تكون جامعة قيم الاجتماع الرشيد، ليعم السلام والتسامح والتعايش والتقدم آفاق الخليج والعالمين العربي والاسلامي.. إنها “تجربة عمان”.
  9. عودا لبدء، عمان عاصمة التسامح العربي الإسلامي، كانت ولاتزال وستظل تعمل من أجل الحريات المرتبطة بوجودها العربي والإسلامي والإنساني الحضاري، من حرية الصحافة إلى حرية المعتقد الديني، ومن أجل التضامن والتسامح والتعاون بين العرب والمسلمين.
  10. أعظم إنجاز يستوحى من العيد الوطني الخمسون أن ميثاق القيادة والشعب في عمان كرس ثقافة مشتركة للسلام، لأن الاستقلال الحقيقي أن تطرد الشر من نفسك حتى لا يجد له فضاء في وطنك، ولهذا تسقط كل الفتن والمؤامرات والرهانات الخبيثة على أعتاب قلاع عمان المجيدة.

كل عام و أنتم بألف ألف نجاح و سلام.. يا أهل التسامح و الوئام..

مراد غريبي

المصدر: شؤون عمانية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *