يعد تنور الشواء العماني من أجمل العادات والتقاليد العمانية الأصيلة خاصة في الاحتفال بعيد الفطر السعيد وعيد الأضحى المبارك في كل مدن وحواضر السلطنة، هي عادة تقليدية قديمة تناقلتها الأجيال اقتداء بآبائهم وأجدادهم الأماجد، تجس نموذجا رائدا من أجواء التعاون والألفة الأسرية.
تعد أجواء تحضير تنور الشواء العماني توثيقا وتركيزا لمعاني التكافل الاجتماعي، وإحدى مكونات الثقافة العمانية المحلية الأصيلة، وهي تمر على عدة خطوات ومراحل حيث تختلف طقوس وممارسات هذه العادات الشعبية في بعض تفاصيلها من مكان لآخر في سلطنة عمان.
بداية نتعرف على التنور وهو موقد يحفر في باطن الأرض، يشوى فيه اللحم في الأعياد والمناسبات، تمر صناعته بثلاث خطوات هي:
- الحفر: يتم أولا حفر التنور العماني المخصص للشواء بأدوات تقليدية مثل: الهيب، والمسحاة، والشيول، ويستخدم القفير المصنوع من سعف النخيل في استخراج الأتربة من داخل حفرة التنور، وقد يتطلب استخدام سلم مصنوع من الخشب أو حبل لاستخراج الأتربة والحصى حسب عمق التنور الذي قد يصل عمقه إلى عدة أمتار.
- التظفير: بعد إتمام عملية الحفر يظفر التنور بالحجارة من الأسفل إلى الأعلى، وقد تثبت تلك الحجارة بالصاروج حتى تتماسك، ويحفظ هذا الظفر التنور من الانهدام، كما أنه يحافظ على حرارته أثناء شي اللحم.
- غطاء التنور: يتم عمل غطاء للتنور بشكل دائري لتغطية التنور بعد إنزال اللحم فيه حفاظا على درجة الحرارة بداخله، ولتغطيته بعد الانتهاء، كي لا يسقط فيه أحد اتباعا لإجراءات السلامة، ويتم تنظيف التنور قبل رمي اللحم فيه.
الأوقاف الخاصة بالتنور
للوقف في سلطنة عمان دور كبير في تلبية احتياجات المجتمع العماني في البيئة المحلية ومنها الأوقاف المخصصة لبناء وعمارة وصيانة تنور الشواء العماني، حيث يشكل الوقف نوعا من التنمية المستدامة وشبكة من شبكان الأمان الاجتماعي.
أب التنور
وفقا لأدبيات الثقافة العمانية يتم تعيين شخص من قبل أهالي الحارة ليكون مسؤولا عن شؤون التنور من حيث إعداده وتنظيفه ومتابعة إشعال النار فيه لحين انتهاء الأهالي من عملية استخراج لحم الشواء، ويعرف هذا الشخص القائم على شؤون التنور بمصطلح “أب التنور” فهو بمثابة أب يرعى شؤون تنور الشواء.
صناعة بزار الشواء العماني
بزار الشواء العماني التقليدي هو خليط من عدة بهارات معينة تعطي في النهاية طعما خاصا عند استخدامه في شواء اللحم في التنور العماني، ويتكون غالبا من الملح، والكركم المطحون “الجزع”، والسنوت، الكمون أو القزح المطحون المقلي في النار، والجلجلان المطحون المقلي في النار، ومسحوق الفلفل الأحمر المحلي الحار، والثوم العماني المفروم أو المخلوط، ولتجهيزه طريقة خاصة.
إعداد لحم الشواء العماني
تمر عملية إعداد لحم الشواء تمهيدا لوضعه في التنور العماني بخطوات مرحلية منظمة هي التالي:
- إحضار اللحم المعد للشواء: يبدأ إعداد اللحم الذي يستخدم للشواء في اليوم الثاني من أيام العيد، حيث يتكون الشواء من قطع من اللحم التي ستوضع في التنور، ويستعمل الشواء غالبا في أوقات الأعياد والمناسبات، حيث يتكون الشواء من قطع اللحم التي ستدهن ب (التبزيرة) بعد غسلها بالماء غسلا جيدا، ثم توضع بعد أداء صلاة الظهر عادة في إناء أو بساط “سِمّة” وهي مفرش أو حصير مصنوع من سعف النخيل، وجمعها “سميم”.
- وضع اللحم في الخصفة: يوضع اللحم على شكل طبقات في “الخصفة” وهو كيس سعفي مصنوع من خوص سعف النخيل، وحاليا يستخدم البعض الخيش المصنوعة من مادة الجوت على طبقات تتخللها أوراق الموز الخضراء، أو أية أوراق أشجار أخرى كالمانجو، ثم يتم إغلاقه وربطه بحبال الليف أو الصرام، كما توضع علامة على الخصفة للتعرف عليها من قبل أصحابها بعد إخراج الشواء من التنور.
- حمل الخصفة للتنور: تحمل الظروف السعفية المصنوعة من خوص النخيل أو الجونية الكبيرة المصنوعة من نبات الجوت بواسطة وسائل النقل الحديثة المعروفة إلى موقع التنور المعد للشواء في الحارة، وفي الزمن الماضي كان يتم حمل تلك الظروف السعفية باستخدام قطع من أخشاب أشجار الليمون تربط بحبال من الليف تسمى “مواسق” ومفردها “موسقة”، يحملها عدد من أهالي الحارة على أكتافهم حتى إيصالها لمكان التنور.
إشعال التنور
يبدأ الإعداد لإشعال التنور الذي سيخصص لشواء اللحم في اليوم الثاني من أيام العيد في فترة الصباح الباكر في حوالي الساعة التاسعة صباحا، حيث يتم تنظيف التنور أولا، ثم يتم تزويد التنور بكمية معلومة من الحطب كحطب السمر والسدر وجذوع النخل، وتعتمد كمية الأخشاب المستخدمة في اشعال التنور على الخبرة السابقة للذي يتعامل مع التنور، أو على تقدير كمية وعدد الخصاف التي سترمى فيه من قبل الأسر، ثم يتم إشعال النار فيه ومتابعته متابعة مستمرة من قبل الموكل إليه عملية إشعال التنور وخدمته، حيث يتم مراقبة التنور ومدى احتياجه لكميات من الحطب، وكذلك لمنع أي أحد من الاقتراب من التنور خاصة الأطفال كون التنور قد يشكل خطرا عليهم، ويستمر التنور في حالة الاشتعال لحين انتهاء المصلين من أداء صلاة المغرب في ذلك اليوم أي في اليوم الثاني من أيام العيدين الفطر أو الأضحى.
رمي اللحم في التنور
جرت العادة أن يتم رمي الخصاف المعدة سلفا للشواء في التنور بعد أداء صلاة المغرب في نفس ذلك اليوم الذي تم إشعال التنور فيه أي في اليوم الثاني من أيام العيد، فعندما يحل المساء، يحضر أهالي الحارة ويقومون برمي الخصاف في التنور بطريقة سريعة ومرتبة مرددين بصوت عال عددا من العبارات الدينية الحماسية كذكر لله عز وجل وشكر على نعمه وآلائه العظيمة، ومن تلك العبارات التي يرددونها قولهم: “والنبي صلوا عليه”، فيرد عليهم البقية من الناس بقولهم: “وا عليه وا عليه”، ثم يتم إغلاق التنور بالغطاء الحديدي الخاص به بسرعة لأن التأخر في إغلاق التنور بغطائه المخصص له قد ينتج عنه تسرب الهواء إلى داخل التنور فيشتعل التنور من الداخل فيحترق اللحم الذي به لأن الأساس العلمي الذي يستخدم التنور من أجله مبني على قاعدة الحفاظ على الحرارة العالية حبيسة داخل التنور مما ينتج عنها بخار ساخن يعمل على شواء وطهي اللحم ثم نضجه، كما يتم استخدام قطع من الطين المبلل بالماء ويسمى محليا “غيلة” لسد جميع الجوانب والحدود الخارجية لغطاء التنور الحديدي؛ منعا لتسرب الحرارة خارج حدود التنور، وبعد عملية إغلاق غطاء التنور بالغيلة، ينصرف أهالي الحارة ويترك التنور مغلقا حتى صباح اليوم التالي أي اليوم الثالث والأخير من أيام الاحتفال بالعيد.
استخراج اللحم من التنور
جرت العادة أن يتم فتح التنور لاستخراج خصاف اللحم منه في صبيحة اليوم الثالث من أيام العيد في حدود الساعة الحادية عشرة صباحا، وإذا تصادف اليوم يوم جمعة فيتم عادة تأخير فتح التنور لحد انتهاء الناس من أداء صلاة الجمعة المباركة، فيبدأ القائم على شؤون التنور ومعه عدد من الناس بإزالة الطين اليابس الناتج عن الغيلة من أعلى غطاء التنور مرددين عددا من الأهازيج مع ذكر لله عز وجل، ثم تتم إزالة الغطاء وإبعاده عن فتحة التنور، ويقوم عدد من الرجال في الحارة بالإمساك بعدد من العصي الطويلة التي تنتهي بقطعة من الحديد على شكل صنارة تسمى “كلاليب”، فيدخلون تلك الصنارة في الخصاف المصنوعة من سعف النخيل أو الخيش المصنوعة من نبات الجوت، ثم يرفعونها لأعلى وبذلك يستخرجون اللحم المشوي، وتتواصل هذه العملية حتى استخراج آخر خصفة من التنور، وبعد استخراج الشواء من التنور يتعرف كل شخص على خصفته من خلال العلامة المميزة التي قام بعملها فيها أثناء إعداد الخصاف سابقا، ثم يتم إغلاق غطاء التنور مرة أخرى، و إرجاعه إلى مكانه، وتسد جوانب الغطاء مرة أخرى بالطين المعروف بالغيلة، حيث أن سد جوانب الغطاء بالغيلة يعمل على منع دخول الهواء داخل التنور مما قد يؤدي إلى اشتعال النار فيه في حال عدم إغلاقه بإحكام، ثم يأخذ كل صاحب لحم شواء ذلك اللحم الموضوع في الخصفة الصغيرة لمنزله مبتهجا مسرورا بتمام عملية شواء اللحم على أحسن وجه.
تقديم وأكل لحم الشواء العماني
بعد استخراج لحم الشواء من التنور العماني تقوم كل عائلة خاصة على حدة بأكل لحم الشواء مع الأرز في المنزل في جو عائلي بهيج بمشاركة الأطفال، وفي أماكن أخرى من عمان يتم مشاركة الأقارب والجيران في أكل لحم الشواء العماني حيث يحضر كل قريب أو جار من الجيران اللحم المشوي مع الأرز فيجتمع الجيران والأقارب في مكان واحد لتناول هذه الوجبة الشعبية المحلية، و تمثل عملية الأكل هذه ختام العادات والتقاليد العمانية الشعبية التاريخية المتوارثة جيلا عن جيل للاحتفال بأيام العيد السعيد.
مقتبس ومستلهم من تقرير قم بإعداده الفاضل: زكريا بن عامر بن سليمان الهميمي
منصة شؤون عمانية